في عام 2015، حرّك انضمام أليساندرو ميشيل إلى دار غوتشي عالم الموضة لمرحلة جديدة، تصاميمه الجريئة ودمجه القطع بقوة صارخة مع المُبالغة في كل شيء، لقد حول غوتشي كلياً بأسلوبه البعيد عن البساطة والمينيمالية لتتبعه العديد من العلامات التي سارت على نفس النهج ومزجت الفخامة بأسلوب الشارع الكاجوال مثل أوف – وايت وإبداعات ديمنا غفاساليا في بالنسياغا الذي يبتكر نسبه الخاصة في التصميم، كل هذا أدى إلى ازدهار ما يُعرف باسم "الحد الأقصى" أو Maximalism.
هذا العام أصدرت شركة الإدارة والاستشارات Bain & Company. أحدث دراسة عن الأسواق الفاخرة وأشارت إلى أن المينيمالية في عالم الموضة أصبحت تحظى باهتمام كبير يصل إلى العلامات التي تعتمد الطابع المُبالغ "الماكسيمالية"، وبالرغم من أن التقرير لا يُفصح عن العلامات بالاسم، أشارت فيدريكا لوفاتو Federica Levato التي شاركت في إعداد التقرير إلى أن علامات الأزياء الرسمية الكلاسيكية تندرج أيضاً تحت المينيمالية، وأن بعض العلامات مثل The Row للشقيقتين أولسن جذبت الكثير من الاهتمام بينما علامة بوتيغا فينيتا هي الرائدة خلال 2019، بفضل التغير الذي أحدثه المدير الإبداعي الجديد دانيال لي في ابتكار رؤية أنيقة ومينيمالية بسيطة للدار.
هل هو التغيير المُعتاد في أذواق الموضة؟
قد يكون لهذا التوازن الجديد دلالات أكثر أهمية من مجرد التغيير المُعتاد في أذواق الموضة، لذا يُشير التقرير إلى أن المتسوقين يتقبّلون كافة الاتجاهات والصيحات اليوم كما كانت الحال من قبل، وبدلاً من ذلك يمكنهم الاختيار بحرية من العلامات المتاحة للتعبير عن أساليبهم الخاصة.
المينيمالية والماكسيمالية
للمينيمالية minimalism نهج في التصميم يعتمد على قصّات واضحة بسيطة تترك مساحة بين الجسم والتصميم في أغلب الأحيان، لا تحمل الكثير من التفاصيل والألوان وتعتمد كثيراً على مهارة وتقنية القصّات النظيفة، بينما الحد الأقصى maximalism هو الذي يغوص في التعقيدات ويجمع العديد من العناصر بالألوان والأقمشة والخامات وخلط بين قطعة وأخرى، وفي النهاية تكمن قوته في ابتكار طلة نهائية مُتقنة وجديدة كلياً، وأبرز مثالين فيبي فيلو والتحول الذي أجرته في دار سيلين مع أواخر العقد الأول من الألفية، وأسلوب أليساندرو ميشيل في غوتشي.
الموضة تعكس الواقع الخارجي
هناك قاعدة في عالم الموضة تقول: "كل حركة للأزياء هي استجابة لما سبقها، ما يديم دورة التصميم التي تتناوب بين الوفرة والحد الأدنى" أي البساطة والمُبالغة، فهل تعكس المينيمالية أشياء أبعد مما نراه على منصات عروض الأزياء؟
لنعرف لماذا تزدهر المينيمالية بهذه الصورة، علينا العودة إلى الوراء. ووفقاً لبيانات Bain في الفترة ما بين منتصف التسعينيات إلى أوائل الألفية، سيطرت الماكسيمالية أي الحد الأقصى على الأزياء وسُميت تلك الفترة بالخروج من المعبد "sortie du temple"، وفيها بدأت العلامات الفاخرة تخرج من قوقعتها وتُخاطب جمهوراً أكبر وتوفر تصاميم بأسعار مقبولة واستمر ذلك أيضاً منذ العام 2001 إلى 2007 في ما بات يُعرف بـ"ديمقراطية الموضة" وإتاحتها للجميع.
العلامات المينيمالية تنجو من الأزمة الاقتصادية
كل هذا تغيّر حين حلّت الأزمة الاقتصادية العالمية وأصبحت العلامات المينيمالية أقل عرضة للخسائر بسبب طبيعة تصاميمها، ورغبة العملاء في الاستثمار بطريقة أفضل والابتعاد عن القطع الباهظة التي تتغيّر سريعاً في كل موسم.
العلامات الفاخرة تُغيّر من أسلوبها
لكن من عام 2010 إلى 2014، صعدت المينيمالية والماكسيمالية بالتساوى مع دخول العملاء الصينيين الجدد الأسواق لتعزيز قوة العلامات الفاخرة، وهنا برزت الماكسيمالية لكن تغيّرت رؤية ونهج العلامات الفاخرة التي أصبحت أقل حديثاً عن الحرفية والصناعة والتاريخ وتبنّت خطاب القيم التي سيحصل عليها العميل من اختياره هذا الحذاء أو الحقيبة، فهي تفهّمت جيداً ماذا يُريده عملاء اليوم.
صراع يعكس حالة الموضة اليوم
بحسب لوفاتو، المينيمالية تشهد قوة مساوية للماكسيمالية ولا يُهيمن طرف منهما على صناعة الموضة، ولهذا دلالة كبيرة فهي إشارة إلى حالة من الاستقطاب، فمنصات عروض الأزياء أخيراً تشهد تشتتاً كبيراً، أساليب مُختلفة ومُتناقضة، ما بين الأسلوب الناعم والبسيط والجموح نحو كل ما هو غريب وجريء، ومما يُعزّز هذا التناقض هو أن المُستهلك بات يُشارك في صناعة التوجه ويتمتع بحرية أكبر لاختيار ما يُناسبه ويروق له عبر مئات المنصات والعلامات التقليدية والصاعدة وفرض قيمه، فهناك من يتبع الموضة المُستدامة وآخر يبحث عن التفرد والبعض يركض وراء الصيحات فقط، كل هذا يجعل من الصعب تفوق نمط على آخر، فكل دور للأزياء تسعى إلى تلبية مُتطلبات أكبر شريحة مُمكنة من العملاء لضمان مزيد من الأرباح، لذا كل يوم نجد تطورات في العلامات وتوجهات لاستخدام أساليب جديدة حتى على حساب هوية وأسس الدار.
مُحررة أخبار وكاتبة مقالات لموقع gheir.com، شغفي بصناعة الأزياء دفعني إلى التعمق و دراسة أصولها، بينما خبرتي الأكاديمية في مجال الإعلام جعلت مهنة مُحررة الموضة هي الأمثل لي، لأنقل لكم يومياً أخبار الأزياء و المجوهرات، و حوارات مع أهم شخصيات الموضة العالمية والعربية بجانب تحليلات أسبوعية تكشف كواليس و خبايا صناعتها.