محطتنا اليوم مع المصممة Mariyeh Ghelichkhani التي أطلقت علامة مجوهرات تحمل اسمها، وجزءًا من إرثها الخاص ولمساتها الفنية المميزة. ففي قلب كل قطعة تصممها Mariyeh Ghelichkhani ينبض إرث طفلة تربّت بين الأحجار الكريمة والأساطير المنحوتة بالذهب. كان والدها، جامع تحف شغوف جاب العالم من الهند إلى الولايات المتحدة، ليعود بقطع فريدة تنبض بتاريخ وثقافة غنية. ومنذ طفولتها، أسرها سحر المجوهرات، واستهواها مراقبة الحرفيين وهم يحوّلون المعادن والأحجار إلى قطع فنية تنبض بالحياة. ووسط ورشة والدها، وبين أصوات الأدوات ورائحة المعادن المنصهرة، تشكلت رؤيتها للجمال كفنٍّ يروي القصص ويخلد المشاعر. بعد فقدان والدها، وجدت في الذهب ملاذاً يعيد إليها ملامح طفولتها وحبها الأول: تصميم المجوهرات. إبداعها اليوم هو انعكاس لرحلة شخصية ملهمة، حيث تدمج بين الفخامة العتيقة والنفَس العصري، وتستوحي من الطبيعة، التأمل والرحلات الثقافية التي أغنت روحها، لتقدّم مجوهرات ليست مجرد قطع فنية، بل دعوات صامتة للتواصل مع الذات وللاحتفاء بلحظات الحياة الثمينة. مع Mariyeh كان لنا الحوار التالي:
نشأتِ محاطة بالأحجار الكريمة النادرة والتحف الفنية. كيف أثّر شغف والدكِ على نظرتكِ للمجوهرات منذ الصغر؟
كان لذلك تأثير عميق في داخلي. لم يكن والدي يكتفي بجلب أحجار جميلة إلى المنزل، بل كان يجلب قطعاً تحمل بين طياتها حكايات تاريخية وثقافية. منذ طفولتي، بدأت أنظر إلى المجوهرات على أنها أكثر من مجرد زينة. كانت فناً، تحمل قصصاً ورسائل، وكل قطعة تحكي رواية مختلفة. تعلمت تقدير الحرفية والمهارات المتنوعة التي تدخل في صناعة كل عمل، وليس فقط قيمة المواد.
كان مشغل والدكِ مكاناً للتعلم والإلهام بالنسبة لكِ. ما هي أهم الدروس التي تعلمتِها من مراقبة الحرفيين أثناء عملهم؟
من أهم الدروس التي تعلمتها كان الصبر. كنت أراقب الحرفيين وهم يصنعون كل قطعة بعناية متناهية، وفهمت حينها أهمية التمهّل والانتباه لأدق التفاصيل. تعلمت أيضاً أن الشغف جزءًا لا يتجزأ من هذه الحرفة، فالأمر لا يتعلق بالمهارة فقط، بل بروح تُسكب في كل عمل يُصنع بنية وقلب.
فقدان والدكِ كان نقطة تحول في حياتكِ. كيف ساعدكِ فن صياغة الذهب على إعادة التواصل مع إرثه ورسم مساركِ الفني الخاص؟
بالفعل، كانت أصعب فترة في حياتي. لكن صياغة الذهب منحتني وسيلة لأبقى قريبة منه. عندما بدأت العمل مع المعادن للمرة الأولى، شعرتُ وكأنني عدت إلى مشغله، وكأنه كان يراقبني بابتسامة. شعرت أنني أواصل إرثه بطريقتي الخاصة. لا أنسى إحساسي عندما شكّلت قطعة النحاس الأولى بيدي، اجتاحتني ذكريات طفولتي ومشاعري نحوه. وكأني أعيد اكتشاف إبداعي، وأسير في الدرب الذي فتحه لي.
تصفين تصاميمكِ بأنها مزيج من الخيال، الطاقة والانسيابية. ما المشاعر أو الرسائل التي تطمحين لنشرها من خلال مجوهراتكِ؟
أطمح أن تنقل مجوهراتي إحساساً بالتحول الداخلي، السلام، والنمو عبر الفن والجمال. أرغب بأن يعكس كل تصميم رحلة ما، سواء أكانت شخصية أم روحية أم لحظة خاصة في حياة من يرتديها. أما الانسيابية في تصاميمي، فهي تجسيد لتدفق الحياة الطبيعي. أتمنى أن يشعر كل من يقتني إحدى قطعي بجمال داخلي، هدوء، قوة، ثقة، واتصال أعمق مع ذاته.
أعمالكِ تتجاوز الأشكال التقليدية وتدمجين فيها عناصر شخصية. هل يمكنكِ أن تشاركينا قصة قطعة تحمل مكانة خاصة لديكِ؟
في العام الماضي، وخلال زيارتي لهونغ كونغ، وقعت عيني على حجر أكوامارين أوقفني لحظة، وأعادني إلى مكان عزيز على قلبي. منذ سنوات طويلة، صمّم والدي بركة مائية في حديقة منزله الصيفي، تزيّنت بزهور اللوتس وأحاطتها الأغصان الخضراء. كانت ساحة يعمها سكون الضفادع الصغيرة وأزيز اليعاسيب، بينما تتراقص ألوان الطبيعة في كل زاوية. هذه الصورة أصبحت جزءًا من ممارساتي اليومية للتأمل. لاحقاً، رويت تفاصيلها كقصة قبل النوم لابني. استحضار هذه الذكرى يملأني بالسلام والامتنان ويذكرني بجمال التفاصيل الصغيرة من حولنا. استلهمت من هذه الذكرى وصممت قطعة مركزها حجر الأكوامارين، وأطلقت عليها اسم "حياة"، لما تحمله من رمزية عميقة بالنسبة لي.
تلعب الطبيعة، اليوغا والتأمل دوراً مهماً في عمليتكِ الإبداعية. كيف تنعكس هذه العناصر على تصاميمكِ؟
بلا شك. الطبيعة، وتقنيات التصور الذهني، والحياة بكل تفاصيلها، تشكل جوهر رحلتي الإبداعية. الطبيعة ترشدني بأشكالها، ألوانها وملمسها– من انحناءة ورقة إلى تفتح زهرة. أما التأمل، فقد علمني كيف أتواصل مع ذاتي الداخلية، وأنقل هذه الطاقة المتزنة إلى عملي. كل قطعة أصنعها تعبر عن التوازن والانسجام اللذين وجدتُهما عبر هذه الممارسات، وأتمنى أن تصل هذه الروح إلى من يقتنيها.
بعد إقامتكِ في طهران، دبي، ماربيا، إسطنبول، لشبونة ولندن، كيف أثّرت هذه التجارب الثقافية المتنوعة على ذائقتكِ الفنية؟
بالتأكيد! السفر والعيش في أماكن مختلفة تركا بصمة قوية على رؤيتي وتصاميمي. لكل مدينة طابعها الخاص الذي أثر فيّ، تراث إيران الفني العريق زرع داخلي حب التفاصيل والدقة، أما إسطنبول فأسرتني بجمال التقاء الشرق والغرب فيها. سحر الفنون الإسبانية، خاصة في الأندلس وروائع غاودي في برشلونة، ألهمني بطرق لا توصف. في البرتغال، تأثرت بجمال الطبيعة والعمارة القوطية والزخارف الفسيفسائية (الأزوليخوس). وفي لندن، وجدت إلهامي في توازن التقليدية مع البساطة الحديثة. كإماراتية، أستوحي كثيراً من التنوع الفني والمعماري الذي يحيطني في الإمارات، هذا المركز النابض بالحياة الذي يجمع بين الحداثة والجذور العميقة. أسعى دائماً لأن أمزج هذه العوالم المختلفة في أسلوبي، ليعبّر عن رحلتي الشخصية وهويتي العالمية والمحلية معًا.
كان والدكِ يقتني قطعاً نادرة من مزادات كبرى مثل سوذبيز وكريستيز. هل تجدين الإلهام في المجوهرات العتيقة؟ وكيف توازنين بين التراث والحداثة؟
بالتأكيد. المجوهرات والتحف القديمة كانت ولا تزال مصدر إلهام عميق بالنسبة لي. القصص والحرفية التي تحملها كل قطعة تبهرني. أسعى إلى نقل هذه الروح الخالدة إلى تصاميمي، مع إضافة لمستي الخاصة العصرية والشخصية. بالنسبة لي، هو توازن دقيق بين تكريم الماضي وابتكار ما هو جديد وملائم لزمننا الحالي.
يواجه كثير من الحرفيين تحديات في تحقيق التوازن بين الجودة الفنية والنجاح التجاري. كيف تحافظين على نزاهتكِ الفنية مع توسع علامتكِ؟
هي معادلة صعبة بالفعل، لكنني دائماً أحرص على الوفاء لرؤيتي الفنية. أؤمن بأن الإبداع الحقيقي والشغف يقودان إلى النجاح بشكل طبيعي. أصنع قطعاً أؤمن بها، تنبع من قلبي، وتُصنع بعناية فائقة. لا أتنازل عن هذه المبادئ لملاحقة صيحة أو موضة عابرة. بالنسبة لي، الحفاظ على أصالة العمل هو الأساس، مهما كبرت العلامة.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.