2018 كان عام المرأة السعودية بامتياز. لقد تمكّنت أخيراً من انتزاع العديد من حقوقها المدنية، وأبرزها حقها في قيادة السيارة. ليس هذا فحسب، بل كانت السيدة السعودية ركناً أساسياً في سياسة الإصلاح التي اعتمدتها المملكة والتي تهدف إلى تطوير المجتمع المحلي وتحسين ظروف حياته لمواكبة روح العصر.
هذا العام شهدنا أيضاً بروز نجم العديد من السيدات السعوديات اللواتي انطلقن بقوة لتثبيت وجودهن على الساحة العربية، من بينهن
سجى كمال التي كان من الصعب ألا تلفت نظرنا وتثير اهتمامنا لكونها أول لاعبة كرة قدم سعودية ومتسلقة جبال وشابة مقدامة وسيدة أعمال من الطراز الأول.
أجرينا هذا الحوار مع سجى لكي نعرّفك إليها عن قرب، وتتأكدي من أنها سيدة تستحق أن تكون مصدر إلهام للكثير من النساء العربيات..
ما الذي أخذك إلى عالم الرياضة وكرة القدم بالتحديد؟
بدأت قصتي مع كرة القدم وأنا في الرابعة من عمري عندما سجّلني والدي لأنتسب إلى نادي المجمع السكني الذي كنا نعيش فيه في المنطقة الشرقية. لقد كان هذا التصرف غير متعارف عليه في السعودية، فرياضة كرة القدم كانت حكراً على الشبان فقط ولم يكن معتاداً رؤية الفتيات يشاركن في هذا النوع من الرياضة.
شخصياً، لطالما تمكّنت من المواظبة على تماريني، ورغم أن هذه الحرية التي أتاحها لي عرّضته للكثير من الانتقادات، لم يخفِ أبداً دفاعه عن المرأة، وكان رجلاً متحرّراً، وهذا ترك أثراً كبيراً في حياتي وفي شخصيتي، لأنه بنى لدي القناعة بألا وجود للمستحيل في حياتنا.
ما الذي تشعرين به عندما تمارسين رياضتك المفضّلة؟ القوة، السعادة؟
لقد أصبحتُ شغوفة بكرة القدم منذ صغري، وحتى يومنا هذا عندما أسمع صفارة الانطلاق، أنسى العالم بما فيه، هذه هي الحرية بالنسبة إلي. رغم كل التحديات التي واجهتها من محيطي، الرياضة صقلت شخصيتي وعلّمتني معنى العمل مع فريق كامل، وبفضلها تطورت مهاراتي الاجتماعية وصرت أكثر ثقة بنفسي وأكثر إنتاجية، كما سمحت لي باكتساب مهارات قيادية.
حدّثينا عن مشاركتك لـ30 سيدة من دول مختلفة في تحدّي اللعب في قمة كيلمنجارو؟
كرة القدم كانت اللغة الواحدة التي جمعت بيننا، وبغض النظر عن الدول التي ننتمتي إليها، كنا قادرات على التفاهم والتشارك في اللعب وفي التقنيات كفريق واحد. لقد تشاركنا في رسالة واحدة، وهذه الوحدة جعلتني أشعر بالقوة. في الحقيقة، هذه التجربة كانت بمثابة تحد كبير في حياتي. لقد علمتُ بالرحلة قبل الانطلاق بثماني وأربعين ساعة فقط، لكن حدث أن أصبتُ بجفاف شديد ودخلتُ إلى المستشفى في دبي، لكنني خرجتُ منها على مسؤوليتي الخاصة، وذهبتُ إلى أبو ظبي لأستقل طائرة تنزانيا حيث وصلت إليها في أقل من 40 ساعة من إصابتي، ما تسبب لي بندبة خلّفتها إبرة الحقن الوريدي الذي نزعته من ذراعي لكي أذهب في رحلتي، والذي بدأ بالنزف بمجرد بدئي برحلة تسلق الجبل وعلى مدار أيام. خطوة بخطوة، تمكّنت من إتمام التسلّق، وتحقيق رقم قياسي جديد في لعب مباراة كرة قدم في أعلى نقطة على سطح الأرض.
مع هذه التحدّيات، ما الذي دفعك إلى الإصرار على تحقيق حلمك؟
أكثر ما كان يحفّزني على مواصلة طريقي والإصرار على تحقيق أحلامي، هو أملي بأن ينعم الجيل الجديد من السيدات السعوديات بالكثير من التغييرات والإصلاحات التي تحسّن ظروف حياتهن اليومية. لديّ رسالة، وهذه الرسالة تكمن في تعبيد الطريق أمام الجيل الجديد من السعوديات ليكتسبن المزيد من الحقوق المدنية. وهنا أحب أن أشارككم هذه التجربة التي مررتُ بها. ففي طفولتي اضطررتُ لارتداء ملابس الذكور حتى أتمكن من الدخول إلى الملعب ومشاهدة لاعبي المفضّل يلعب في مدينتي. لكن الآن، وبفضل الإصلاحات الأخيرة أصبحتُ قادرة على دخول الملاعب، وأصبح مسموحاً للمرأة بأن تحضر المباريات الرياضية بصورة طبيعية.
كيف تنظرين إلى واقع السيدة السعودية اليوم بعد الكثير من الإصلاحات الاجتماعية؟
بعد عملي كمديرة تطوير في شركة نفط في السعودية لمدة 5 سنوات، أسّستُ فريقاً نسائياً لكرة القدم في الشركة، لكنني سرعان ما أدركتُ أنه بمقدوري تحقيق التغيير من الداخل، لذلك بدأتُ العمل كمستشارة مع العديد من الهيئات والوزارات في العاصمة السعودية. كنت أسافر مرتين في الأسبوع بين دبي والرياض، وأعمل مع مسؤولين وموظفين في الوزارات، لبدء مشاريع دعم وتمكين وتطوير المرأة السعودية. بعض هذه المشاريع يتضمّن حق المرأة السعودية أن يكون لها سجلّ تجاري لأي نادٍ رياضي، تدريب النساء في قيادة السيارات، العمل على إضافة حصة رياضة في المناهج التعليمية، تأسيس الأندية، تنظيم لجنة أولمبية سعودية وهيئة عامة للرياضة، والآن أنا أتطلّع لتكوين فريق كرة قدم نسائي رسمي سعودي.
من هو أو من هي مثلك الأعلى في الحياة؟
في الحقيقة لم أكن لأنجز ما حققته حتى الآن بدون أبي وتضحياته، وحرصه على دعم خياراتي في الحياة منذ طفولتي. لقد فعل ما لم يجرؤ عليه الكثير من الرجال في مجتمعنا، كذلك أشعر بالامتنان لأمي فاتن اللبابيدي وهي تعمل اختصاصية اجتماعية ونفسية في وزارة الصحة السعودية. لقد وهبت حياتها لمساعدة المرضى المصابين بالشلل الرباعي الناتج عن حوادث السير. في الواقع تعلّمت منها إتيكيت السواقة ومخاطر التهوّر، لقد تعلمت قيادة السيارة مذ كنت في الـ13 من عمري وكنت أقود أولاً سيارة بناقل سرعة يدوي حتى أتعلم كيف أتحكم أنا بحياتي.
لأبي ولأمي كل الفضل في ما تعلّمته من أخلاقيات مهنية، وأخلاق رياضية، والتزام، ومثابرة وإصرار على تحقيق وإتمام كل ما أبدأ به.
أنا أرى أن التحديات التي نجتازها والنجاحات التي نحققها في الحياة وكيفية تعاملنا مع كليهما هو ما يحدد شخصياتنا ويكوّنها.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.