نعرّفك في هذه المقابلة على مخرجة فيلم "الأستاذ" الذي تدور أحداثه حول قصة أستاذ فلسطيني "باسم" (صالح بكري) الذي يعيش حياة الكفاح من أجل التوفيق بين التزامه بالمقاومة السياسية التي تهدد حياته، ودعمه النفسي لأحد طلابه “آدم" (محمد عبد الرحمن)، وبداية علاقة رومانسية جديدة مع أحد المتطوعات (إيموجين بوتس).
في حين يسعى محامٍ أمريكي رفيع المستوى وزوجته إلى استعادة ابنهما، وهو جندي إسرائيلي أسير لدى مجموعة من المقاومة الفلسطينية. إذ تطالب المجموعة تبادل الأسرى وذلك أدى إلى خلق توترات مع السلطات وتكثيف البحث عن الجندي، مما أثار حالة من الفوضى في حي باسم وآدم.
تنسج المخرجة فرح النابلسي، الحائزة العديد من الجوائز والمرشحة لجائزة الأوسكار، هذه القصص المتباينة والمترابطة في دراما آسرة تتميز بالتعاطف والتقلبات غير المتوقعة والاستفزازات المتواصلة، التي يرتكز عليها أداء الممثل صالح بكري القوي. تم تصوير الفيلم بالكامل في الضفة الغربية، في فلسطين.
معها كان لنا الحوار التالي:
فرح، أوجزي لنا ما هي رسالتك الرئيسية التي تريدين للعالم أن يشاهدها ويفهمها من خلال فيلم "الأستاذ"؟
في البداية كان الهدف من فيلم "الأستاذ" أن أقدم عمل فني يأخذ المشاهدين في رحلة مليئة بالعواطف من خلال حياة وتجارب هذه الشخصيات الفلسطينية. وآمل أن أتركهم يتأملون الواقع القاسي الذي يعيشونه والخيارات والقرارات الصعبة التي تضطر أن تتخذها الشخصيات. والآن في ظل الأحداث الراهنة ونظراً للمأساة الحالية والظروف القاسية في غزة، آمل أن يتمكن الفيلم من تقديم إضافة مهمه وتقديم نموذج عن المعاناة الفلسطينية الحية، والتي هي من المواضيع في الغالب تكون مغيبة في مثل هذه الأعمال.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتكم خلال التصوير، من الناحية التقنية واللوجستية؟
في طبيعة الحال تُعد صناعة السينما أمراً صعباً للغاية بسبب العديد من المشاكل التقنية واللوجستية التي يمكن أن تواجهنا كل يوم، ولكن عندما نقوم بالتصوير في منطقة محتلة عسكرياً ومستعمرة كما كان الحال بالنسبة لنا في الضفة الغربية، في منطقة نابلس، أصبحت الأمور أكثر صعوبة وبشكل ملحوظ. على الرغم من ذلك أود أن أقول إن أكبر التحديات التي واجهتني شخصياً كانت التحديات العاطفية والعقلية نظراً للواقع المحيط الذي نعانيه من حولنا والذي كنا نشهده أمامنا بشكل دائم.
ما هي برأيك أبرز العوامل التي ساعدتك في تقديم عمل بهذا المستوى الذي خوّله الفوز بجوائز عالمية؟
برأيي هو الجمع بين عدة عناصر. بدايةً، مثل تقديم قصة جيدة وقوية، عروض رائعة، فريق قوي، وروح التصميم، الثبات، الشغف والنوايا الحسنة، ثم أضف القليل من الحظ والتوقيت والأهم من ذلك إرادة الله، - عندها يحدث السحر!
هل تتوقعين أن يلتفت العالم إلى أزماتنا من خلال الأفلام؟
بالتأكيد! لا أتوقع ذلك فحسب، بل أنا أعرف ذلك! والدليل هو نجاح فيلمي القصير السابق، الذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار، "الهدية " يتم عرضه على (Netflix) وكيف أثر على الجماهير وحشدهم منذ إصداره قبل 4 سنوات وحتى يومنا هذا.
هذا النجاح، هل يحفزّك لإنتاج أفلام تحمل قضايانا إلى العالم؟
أريد أن أصنع أفلاماً هادفة وذات معنى وتهمني بطريقة عميقة. ليس النجاح هو ما يحفّزني، بل الرغبة في سرد القصص التي تهمني شخصياً كمخرجة وكإنسانة. ما يحفّزني هو القدرة على التعبير الفني لإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم أو تحريف رسالتهم أو تهميشهم بشكل غير عادل.
نعيش اليوم واقعاً مأزوماً وانهياراً للمفاهيم والقيم، فالمقاومة تُعتبر إرهاباً، والإرهاب الحقيقي يدّعي أنه دفاعاً عن النفس. كيف تساهم السينما برأيك في تصويب هذه المعتقدات المغلوطة؟ ولماذا تُعتبر السينما الأكثر تأثيراً في الوجدان الشعبي العام؟
أعتقد أن السينما هي إحدى أقوى وأجمل وسائل التواصل الإنساني الهادف وأهم الأشكال الفنية التي عرفها العالم على الإطلاق والتي تتمتع بالقدرة على تجاوز الحدود وتحدي الصور النمطية والتغلب على المفاهيم الخاطئة والتصورات الخاطئة. أعتقد أن السبب في ذلك هو أن الفن يتحدث إلى القلب، والقصص الإنسانية هي ما يحرك الناس ويؤثر عليهم، وفي السينما ليس هناك حدود للقصص التي يمكنك سردها أو الطريقة التي يمكنك سردها بها. (بالطبع يمكن استخدامه أيضاً بالطريقة المعاكسة تماماً، وهذا هو السبب تقريباً في انهيار المفاهيم والقيم).
مَن دعمك في مسيرتك المهنية؟
أود أن أقول إن أهم شخص كان زوجي. هو أكبر داعم لي، فهو رجل عربي مسلم قوي، شجعني وكان حاضراً معي في كل المواقف والظروف الجيدة والسيئة منها، ولم يعبّر إلا عن اعتزازه وإيمانه بطموحاتي وقدراتي كمخرجة حتى في اللحظات التي كنت أشك فيها بنفسي.
ما هو حلمك كمخرجة عربية؟
أنا شخصياً، حلمي الآن هو الحصول على تمويل لفيلمي القادم! وعلى الصعيد الأوسع، أتمنى أن تتطور صناعة السينما وجمهور السينما. لا يمكن أن يقتصر الأمر على الأفلام الأجنبية أو أفلام هوليود فقط. لدينا قصصنا الخاصة لنرويها. هناك حاجة إلى مزيد من التمويل للسينما المستقلة لرعاية ودعم المواهب العربية لتكون قادرة على سرد تلك القصص. وهذا النوع من الدعم الثقافي هو ما يمكن أن يساعد في تشكيل المجتمعات وتطويرها.
على المستوى الشخصي، هل تعتبرين مشوارك كامرأة، أصعب وأطول مما لو كنت رجلاً؟
لا بالنسبة لي لم يكن أصعب. وأعلم أن هذا ليس هو الحال بالنسبة لمعظم النساء، وإنه أمر مؤسف للغاية ولا ينبغي أن يكون كذلك. لكن لا يمكنني التظاهر بأن الأمر كان أصعب لي. بدأت عملي في مجال صناعة الأفلام في وقت متأخر من حياتي. كان أطفالي أكبر سناً، وكما ذكرنا، كان زوجي داعمًا لاختياراتي. ثم سارت الأمور بسرعة كبيرة بالنسبة لي، وليس بسبب الافتقار إلى العمل الجاد والتصميم. لقد عملت في الماضي في صناعة يهيمن عليها الذكور (الخدمات المصرفية الاستثمارية)، لذلك لم أشعر بالخوف وعرفت كيفية المناورة بنفسي في صناعة السينما التي يهيمن عليها الذكور.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.