أذكر أنني منذ كنتُ أتابع دراستي الجامعية في بيروت خلال التسعينيات، كنتُ شديدة الإعجاب بأعمال المصوّر الألماني الأسطوري بيتر ليندبرغ وبصوره السينمائية التي تُعدّ اليوم بمثابة أعمال خالدة، وهذا الإعجاب بدأ منذ نجح في جمع أهم عارضات تلك المرحلة، في صورة واحدة تصدّرت غلاف مجلة فوغ. منذ ذلك الوقت، تحوّل بيتر إلى واحد من أهم المصوّرين الفوتوغرافيين في العالم، وكان المصوّر الوحيد الذي عمل على تنفيذ اللقطات الخاصة بروزنامة بيريلي ثلاث مرات، وقد كانت نسخة هذا العام من الروزنامة بمثابة إنجاز نوعي، إذ اختار عدداً من ألمع نجمات الشاشة الكبيرة والتقط لهنّ صوراً بالأبيض والأسود وأظهرهن على طبيعتهن من دون مكياج ومن دون أيّ روتوش.
أكثر ما يأسرني في عمله، هو طريقته الرائعة في التقاط روح السيدة، ففي الصورة تبدو المرأة حقيقية وتشعرين بصدق مشاعرها وأحساسيها، من دون أيّ قناع، ومن دون حركات مفتعلة، في الوقت الذي تظهر فيه أيضاً راقية وفاتنة، ولذلك قضيت وقتاً طويلاً في التخطيط للعمل معه وإجراء هذه الجلسة، حيث بدأت التواصل منذ العام الماضي، إذ كان شديد الانشغال بتنظيم معرض الصور الخاص به والمتنقل حول العالم، فضلاً عن التحصيرات للتوقيع على كتابه الجديد...
وأخيراً تمكنّا من تحديد الموعد النهائي، وهو 9 يونيو، وقد تم التصوير في باريس، وتحديداً في استوديو AlbertVillier.
في المساء الذي سبق الموعد المحدّد، حرصت على أن أحظى بليلة نوم جيدة لكي أكون على أتمّ استعداد للتصوير في اليوم التالي. وأعترف بأنني كنت قلقة ومتوتّرة كثيراً للوقوف أمام عدسة بيتر ليندبرغ، فقد قضيت سنوات طويلة وأنا أتأمّل في الصور الرائعة التي التقطها للمشاهير، من بينهم نيكول كيدمان وأنجلينا جولي وكايت موس وغيرهنّ من النجمات اللواتي نفذ لهن صوراً أيقونية مذهلة.
وصلت إلى الاستوديو عند الساعة العاشرة صباحاً، وكان بيتر موجوداً هناك وبدا شديد الحرص على أن يكون كل شيء منظماً وجاهزاً لبدء التصوير، وقد رحّب بي بحرارة وجلسنا معاً وتناقشنا في موضوع جلسة التصوير، وقد أراد أن يعرف ما هي توقعاتي حتى يتمكّن من اختيار الخلفيات الصحيحة للصور ويهتمّ فريقه بالتفاصيل اللازمة. فكرتي كانت تحويل الاستوديو إلى ما يشبه كواليس التصوير، وقد أطلعني على بعض اللقطات والنماذج المفضّلة لديه واخترنا منها الأجمل، ثمّ قدّمني إلى فريق عمله الذي ضمّ 12 شخصاً بين تقنيّين ومنسّقين ومساعدين، فمعروف عن بيتر أنه حريص على العمل مع أشخاص قريبين منه حتى تسود الاستوديو أجواء مريحة ومتآلفة.
يتبع فريق العمل خطوطاً محدّدة جداً في ما يتعلق بتسريحات الشعر ومظهر المكياج، فكل شيء يجب أن يبدو طبيعياً تماماً أي بعيداً عن المثالية، فالصور يجب أن تظهرنا كما نبدو عليه حقيقة في حياتنا الواقعية، ولذا بدأنا التصوير مع تسريحة الشعر الكثيف والويفي المتموّج بطريقة طبيعية، قبل أن ننتقل إلى تسريحة الشعر المرفوع بأسلوب طبيعي جداً، وقد كانت هذه التسريحة المفضّلة لدى بيتر.
الأمر مماثل في ما يتعلق بالمكياج، فبيتر يريد دوماً أن يتمكن من رؤية البشرة، ولذا لم نستعمل الفاونديشن، بل فقط القليل من الكونسيلر في بعض الأماكن، الظلال المائية تحت العينين والقليل منها على العينين، بما يعطي الانطباع كما لو أنني طبّقت الكحل قبل ساعات وتعرّضت للقليل من التلطيخ أو الذوبان، كذلك كان يُفترض بالشفتين أن تبدوَا طبيعيتين تماماً، ولذا طبقنا أحمر الشفاه المشمشي، فيما حصلتُ على وجنتين مضاءتين، وهذه التقنية تعطي المزيد من الجاذبية في صور الأبيض والأسود.
- الملابس: لا أخفي سرّاً إن قلتُ إنني استمتعت بالعمل مع الستايليست الخاصة ببيتر، واسمها كونستانس. كانت كونستانس تعلم أن الفكرة وراء جلسة التصوير تتمحور حول ثلاثة لوكات، اللوك الساحلي?? (COAST)، البدلة والكنزة الصوفية، ومع هذا فقد حضّرت أكثر من 60 إطلالة من أرقى العلامات التجارية، ووقع اختيارنا على 8 منها فقط!
- جلسة التصوير: بدأنا حوالى الساعة الـ12 ظهراً وكان اللوك الأول عبارة عن البدلة من Lanvin. خلال التصوير لا تتوقعي من بيتر ليندبرغ أن يقول لك كيف تقفين أو كيف تنظرين إلى الكاميرا.. ترك لي الحرّية الكاملة بأن أتصرّف كما يحلو لي، ثمّ حرص بدوره على التقاط اللحظات الصحيحة في عدسته. تطلّب الأمر إطلالات عدة حتى نختار تسريحة الشعر التي تليق بي أكثر، وقد كان مصفف الشعر فالانتان على أهبة الاستعداد طوال الوقت، وما إن تنقضي بعض الدقائق في التقاط الصور، حتى يتدخل سريعاً ليعيد تثبيت شعري أو تغيير تسريحته وستايله..
خلال التصوير أدركت كم هو من الرائع العمل مع مصوّر لديه خبرة تمتد لسنوات طويلة، ومعرفة عميقة بكيفية إبراز الشخصية الكامنة داخل السيدة. فمثلاً كان بيتر حريصاً على أن يجعلني أشعر بالكثير من الراحة والاسترخاء، فكان يسمعني عبارات المديح والإطراء، ويشبّهني ببعض النجمات، مثل روني شنايدر، وعندما يدرك أنه التقط الصورة التي يبحث عنها، كان يقبّل الكامير بفرحة كبيرة أو يدعوني لأن أشاهد الصور التي يشعر بالرضى عنها عبر شاشة الكاميرا.
كان دائماً يعبّر بطلاقة عمّا يجول في خاطره ويشاركني نتيجة التصوير، وشعرتُ بأنني منخرطة بكل تفصيل من تفاصيل التصوير، وهذا الأمر جعلني أشعر بالارتياح وبالقرب منه.
أخذ بيتر أكثر من 3 آلاف صورة للوكات السبعة التي ظهرت بها، ليقع خيارنا في النهاية على 11 صورة فقط نجح فيها بالتقاط أعماقي الحقيقية. ومن لوك إلى آخر، كان بيتر يعطي رأيه أيضاً بملابسي وشعري، ولكنه في المقابل، كان يترك لي الحرّية المطلقة في كيفية التحرّك أمام عدسته وفي الاستوديو من دون أي ضوابط، وهذا ما يفسّر كيف أن أجمل الصور التي التقطها، هي تلك التي تبدو عفوية تماماً، وهي صور لتلك اللحظات التي كنا نضحك فيها معاً، أو التي نسيت فيها أن أتخذ وضعيات التصوير المعتادة..
أما خلال استراحة الغداء، فقد واصل بيتر العمل، حيث كان يتفحّص كل الصور على الكمبيوتر وبدأ باختيار اللقطات المفضّلة لديه.
واصلنا التصوير حتى السادسة مساءً، فبعض اللوكات تطلبت ساعة كاملة، وبعضها الآخر 20 دقيقة فقط، وقد انتابني شعور بالفرح والرضى لرؤيته يستمتع بالعمل معي طوال النهار، من دون أن يفقد حماسته وطاقته وإصراره على أن يبرز أفضل ما فيّ.
بعد انتهاء التصوير، طلب بيتر كوباً من الشراب، ثمّ جلسنا معاً لنختار الصور الأفضل، بينما كان يحدّثني عن كتابه الجديد الذي سيصدره قريباً واستعان فيه بكل اللقطات التي نفّذها لروزنامة بيريلي والتقط فيها أجمل الصور لأهم النجمات، مثل نيكول كيدمان وكايت وينسليت وغيرهما...
مع انتهاء هذا النهار الطويل، كان شعوري مزيجاً من التعب والكثير الكثير من الانبهار. أدركت أنني نفذت أروع جلسة تصوير يمكن أن أحلم بها طوال حياتي، وقضيت يوماً كاملاً مع المبدع بيتر ليندبرغ، تعرفت عن كثب إلى طريقة عمله وإلى شخصيته الفذة والمتواضعة. إنها فعلاً تجربة لا تتكرّر.
أتمنى أن تستمتعي بمشاهدة الصور التي اخترناها معاً، فضلاً عن الفيديو والصور الأخرى التي تأخذك إلى كواليس جلسة التصوير...