كانت ليلة خيالية عشاناها في مدينة هانغتشو الصينية، عندما استضافتنا دار شانيل أمس لحضور عرض أزياء مجموعة 2024/25 Métiers d'art التي تُقام سنوياً في وجهة جديدة لها رمزيتها وارتباطها بالدار وبمؤسِستها كوكو شانيل. صحيح أن كوكو لم تزُر المدينة المعروفة بـ"جنة الأرض" أبداً، لكنها سافرت إليها بخيالها، إذ أسرها جمال شاشات كورومانديل المطلية باللك الأسود في شقتها بشارع كومبون الباريسي، والتي تصور روعة بحيرة "ويست ليك" الشهيرة والتي ألهمت أجيالاً من الفنانين والشعراء والأدباء. واليوم، بعد مرور قرن من الزمن، حطّت دار الأزياء الفرنسية رحالها في النسخة المعاصرة من حلم كوكو في هانغتشو، مع أحدث مجموعاتها Métiers d’Art التي كُشف عنها يوم الثلاثاء على ضفاف تلك البحيرة الأسطورية.
وكما هو الحال دائماً مع عروض شانيل، لا تقلّ أهمية مكان العرض عن المجموعة بحد ذاتها، إذ حرصت الدار على تصميم مدرج خاص على بحيرة الغرب الخلاّبة، مع خلفية باهرة تُظهر ملامح جميلة من التراث الصيني والثقافة المحلية، وقد جرى نقلنا إلى المكان عبر القوارب الكهربائية وسط مناظر طبيعية مدهشة وحالمة، شكّلت المرحلة الأولى من مراحل العرض الذي بدا أشبه باحتفالية مدهشة بالحضارة الصينية. فقُبيل انطلاق العرض، استعانت شانيل بعازفي الطبول الذين جلسوا أمامنا على المدرج، وأخذوا ينسجون إيقاعاتهم بانسجامٍ مذهل، وكأن أصوات الطبول تحكي حكاياتٍ قديمة تنبض بالحياة في كل نبضة.
بالنسبة لشانيل، فإن عروض Métiers d'art الجوالة تتمحور حول التجربة الثقافية بامتياز، لذا تمت دعوة قائمة مختارة بعناية من العملاء، النجوم، ضيوف الإعلام، المؤثرين، والفنانين المحليين. وقد حظي هؤلاء المدعوون برحلات استكشافية إلى المعابد الأسطورية، ودروس في الحرف اليدوية التقليدية، وفعاليات راقية انغمست في الإرث الثقافي الغني لهذه المدينة الساحرة الواقعة على ضفاف البحيرة.
الأجواء والتصاميم
كان هذا العرض واحداً من أكثر الأحداث المنتظرة لدار شانيل. فمع حلول الغسق، أضاءت البحيرة بأكملها تحت وقع هدير طبل الـتانغو الصيني التقليدي، متزامناً مع أنغام موسيقى نينو روتا O Venezia, Venaga, Venusia، ليأسرنا بأجواء ساحرة.
وكان لافتاً أن الدار استعانت بالعديد من العارضات الآسيويات، كما قدّمت مزيجاً رائعاً من الخامات الغنية والمتنوعة التي ترمز إلى الشرق الأقصى، وأبرزها الحرير والأقمشة المزينة بالتطريز ونقشات الورود بوحي من ثقافة البلاد. ومن هنا، امتزجت الإطلالات بشكل متقن بين الطابع التقليدي والمعاصر، إذ قدّمت تصاميم لافتة تجمع بين مناظر طبيعية مستوحاة من الثقافة الصينية مع لمسات ورموز شانيل الشهيرة. وقد برزت إطلالة مميزة جمعت بين قماش التويد الملون الأيقوني للعلامة، وسروال من الحرير الأزرق، مما أعاد تفسير رموز شانيل الكلاسيكية برؤية جديدة وعالمية. ظهرت أيضاً قصات طويلة شبيهة بالمعاطف، أحذية جلدية، وتفاصيل مطرزة بدقة تعكس رقي المجموعة.
تضمنت المنصة أيضاً تنسيقات شانيل الكلاسيكية، مثل التنانير القصيرة المنسقة مع السترات المتطابقة، إلى جانب نقوش الزهور التي تكاملت مع الخلفية ذات المشاهد الطبيعية، بينما أضافت الأقمشة الفاخرة والمعاطف الفضفاضة لمسة من الغموض والجاذبية الدرامية الهادئة.
وبينما سادت روح السفر في كل التفاصيل، من الحقائب المصممة بعناية إلى الحياكات المعقدة التي تجسّد روح المغامرة والاستكشاف، احتفت المجموعة بإرث العلامة الخالد، مستلهمةً من شاشات كورومانديل التي امتلكتها غابرييل شانيل، حيث تجلّت أناقة وبريق هذه الشاشات في الزخارف الزهرية المطرزة وفي تدرجات ألوان اليشم الأخضر والوردي والأزرق السماوي. كما لعبت بحيرة "ويست ليك" في هانغتشو، دوراً بارزاً في تشكيل الطابع الجمالي للعرض.
برزت المجموعة بتجسيدها لجاذبية الليل من خلال التفاصيل الزهرية الرقيقة والخامات الفاخرة التي استحضرت خلفية بحيرة "ويست ليك"، وقد حمل كل لون ونسيج معنى خاصاً، حيث استوحيت درجات الأزرق الدنيم من سطح البحيرة المتلألئ والمتموج، بينما استحضرت الألوان البنية الداكنة والسوداء دفء الألواح الخشبية لشاشات كورومانديل. وقد أضفت هذه العناصر على العرض هالة من الغموض والحميمية، مما يعكس الجمال الهادئ للبحيرة وفن الشاشات المطلية.
وإلى جانب الحقائب الضخمة وحقائب اليد المزينة بتصاميم صدفيّة معقدة، والجزمات العالية العنق، برزت في المجموعة العديد من القطع التي تستحق الاقتناء، مثل سترة شانيل القصيرة المصنوعة بالكامل من خيوط معدنية (الإطلالة 13)، وسترة ماو (الإطلالة 17)، المزينة بنقوش دقيقة للطيور التي تتراقص على أغصان أزهار الكرز، وهو تصميم مستوحى مباشرة من لوحات كورومانديل المطلية باللك. كما تضمنت المجموعة لمسة من الأناقة الصينية التقليدية، إذ ظهرت مجموعة من الأحذية المفتوحة بكعوب منحوتة على شكل شمعدانات، في مزج رائع بين الماضي والحاضر.
لفتتني أيضاً التايورات المصنوعة من تنورة pencil مع سترات Crop تميزت بطابعها العصري والجريئ، ولوك صوف الموهير الذي تألق بألوان باستيلية جميلة للغاية، والإطلالات الكاجوال شيك المستوحاة من أسلوب الستريت ستيل الصيني، حيث الميل دائماً نحو الملابس الواسعة. هذا وتألقت المجموعة بعدد من الإطلالات الذهبية التي أضفت لمسة من الإشراق على مدرج العرض، إلى جانب الأكسسوارات الجميلة التي لا تخلو منها مجموعات Métiers d'art، والتي ركزت هذه المرة على طبقات العقود والسلاسل المتراكمة.
أخيراً، يمكن القول إن مجموعة Métiers d'art السنوية تُعدّ احتفالاً بفنون الحرف اليدوية المتقنة، ولتنفيذ مجموعة هذا العام، جمعت شانيل براعة أكثر من 100 حرفي من المتخصصين في فروع الدار المختلفة، لتنفيذ التطريز، صناعة الريش، تشكيل الأزهار، وتصنيع الزخارف الذهبية، الطيات، وصناعة الأحذية، القبعات، القفازات والجلود. فقد صُممت هذه المجموعة من قِبل فريق الاستوديو، وجسّدت حياة خيالية لامرأة رحّالة، ربما استلهمت من شخصية كوكو شانيل نفسها.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.