في شهر المرأة العالمي، حيث يحتفل العالم بيوم المرأة في 8 مارس من كل عام، قررنا عدم الاكتفاء بالمناداة بتمكين المرأة ومنحها حقوقها المدنية الكاملة على قدم المساواة مع الرجل، باعتبار أن القيمة تتعلق بالإنسان بحد ذاته بغض النظر عن جنسه، بل تسليط الضوء أيضاً على سيدات يُعددنَ نماذج يُتحذى بها في مجالهن، أي في مجال الإعلام الاقتصادي الذي لطالما عُد حكراً على الرجال. فالمرأة لا تعنيها لغة الأرقام ولا تهتم لتداعياتها على حياتنا اليومية، على الأقل هذا ما يُقال عنها، لكن هؤلاء السيدات الثلاث، أثبتنَ ألا مكان لهذا النمط من التفكير الذي يضع المرأة ضمن قوالب صورية جاهزة، وأنهن قادرات على النجاح والتفوق حتى في أصعب المجالات.
في هذا التقرير، حاورنا 3 إعلاميات من محطة الشرق للإعلام، هن مايا حجيج، وزينة صوفان ونور عماشة، اللواتي شاركننا آراءهن في موضوع التمييز الجندري، التحديات التي واجهتهن بإعلاميات في مجال الاقتصاد ولغة المال، وكيف يسهمن في تمكين السيدات في محيطهن.
مايا حجيج للمرأة: لا تخافي من كسر القوالب النمطية التي وُضعنا فيها
لطالما كانت مايا ترغب في أن تكون صحفية، وأن يُسمع صوتها، ولكن مع مرور الوقت أدركت أنه من المهم أن يكون لديها تجارب ملهِمة ذات مغزى، للحصول على رسالة تمكين وتأثير إيجابي. وقد قداتها الصدفة للعمل كمذيعة لنشرات الاقتصاد والأعمال. وهنا تقول: "كنتُ أعلم بأن إتقان الاقتصاد والتمويل أمر لا بد منه. لقد بذلت جهداً كبيراً لأحقق ذلك، خاصة لكوني امرأة. لسنا غرباء عن التحيز الذي تواجهه النساء عندما يتعلق الأمر بمعرفتهن بالمجالات التي يسيطر عليها الذكور. ولكوني من أوائل مراقبي ومتابعي حركة الأسهم في العالم العربي، حملتُ مسؤولية كبيرة، ووُضِعَ الكثير من الضغط عليّ، لكن ذلك كان أيضاً حافزاً لي. لقد كنت مصممةً على بناء مصداقيتي كمذيعة اقتصاد".
وفي سؤالنا لمايا عن قدرتها على التفوق في هذا المجال الذي يسيطر عليه الطابع الذكوري، قالت: "لقد تحسن وضع المرأة وخياراتها المهنية ليس فقط في مجال الإعلام والاتصال، بل في جميع المجالات خلال الأعوام العشرين الماضية. ومع ذلك، لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه في هذا الشأن. أهم عقبة يجب تجاوزها هي كيف ننظر إلى أنفسنا وإلينا كنساء. يجب أن نتوقف عن الإسهام في تعزيز التحيزات والانطباعات السابقة عنا. فلا يزال هنالك انطباع سابق بأنه علينا أن نعمل بجد أكثر ولمدة أطول من الرجال مقابل أجر أقل، ونحن هنا نحاول دائماً إثبات القيمة التي نقدمها".
أما بالنسبة إلى الحكمة التي تؤمن بها مايا، فتتجلى في قناعتها بعدم الخوف من كسر القوالب النمطية التي نتخلى عنها بصفتنا نساء، حيث تنصح المرأة بألا تتراجع عن أحلامها وطموحها، لأن المرأة تشكّل جزءاً متساوياً من المجتمع. وتضيف: "اعترفي بذلك وآمني به بكل إخلاص وبجرأة تامة!".
ومع كل التحديات والصعاب التي تواجهها يومياً سواء في العمل أم في الحياة الشخصية، ما الذي يعطي مايا الشغف والعزيمة على الاستيقاظ كل يوم لتستمر بما تقوم به وتواصل المسيرة؟
الأمر يبدو بديهياً بالنسبة إليها، فالتركيز على تربية أطفالها ورعايتهم هي أولويةً قصوى، ومع ذلك، لا تخفي بما لديها من خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل على المستويين الشخصي والمهني. وتشرح: "من الناحية المهنية هدفي هو الاستمرار في التطور، وأن أكون في طليعة تطوير وقيادة المشهد الإعلامي. أريد أن أستمر في إلهام النساء في ما يتعلق بالقيادة، وإلهام أجيال من قادة الرأي في الأوساط الأكاديمية. ومن أجل إحداث تأثير وترك بصمة، من الضروري التركيز على ما يتذكرنا الناس من أجله، إرثنا. بالنسبة إلي، أسعى جاهدةً لأُعرَف برفع مستوى الأشخاص من حولي، والاستمتاع بنجاحهم من خلال الاحتفال بنفسي لكوني كنت جزءاً من رحلتهم، كما أنني أتطلع إلى متابعة واستكمال درجة الدكتوراه، ونشر كتابي الخاص".
وعن إسهامها في تمكين السيدة العربية من خلال عملها كإعلامية، تقول مايا: "إن دعم النساء الأخريات في مراحل مختلفة من حياتهن المهنية في مكان العمل هو محط اهتمام كبير بالنسبة إلي، من أجل تنمية ثقافة داعمة تحتضن الاختلافات ونقاط الضعف، وهذا هو التحدي الذي أستمتع بمواجهته كل يوم".
زينة صوفان: هواجس الجندرة لا تشغلني وفي النهاية لا يصحّ إلا الصحيح
ترافقت بداياتها المهنية مع بدايات نهوض لبنان من رماد الحرب الأهلية. مشروع الإعمار الكبير آنذاك ارتكز إلى نماذج عمل اقتصادية ومالية جديدة، كما توقيع عقود بناء وتشغيل مع مستثمرين أجانب واللجوء إلى أسواق الدين العالمية لإصدار السندات إضافة إلى طرح أسهم شركات إعمار في البورصة وغيرها. كان لا بد لأي صحافي راغب في متابعة تلك المرحلة من أن يفهم أبجدية العالم الجديد، وتقول زينة إنها كانت محظوظة في عملها في وكالة رويترز العالمية آنذاك، التي تكفّلت بتدريسها عبر دورات مكثفة، أصول العمل الصحافي الاقتصادي والمالي/ وهذا ما كان.
وفي ما يتعلق بالقناعات التي تدعي بأن هذا المجال ذكوري الطابع، وأنه يصعب على المرأة النجاح فيه، تجيب زينة بأن الهواجس الجندرية لا تشغلها في مجال العمل، وأنها تجتهد بكل بساطة وتتفوق وقد فعلت ذلك منذ اليوم الأول وما زالت.
بالنسبة إلى زينة، لا يصح سوى الصحيح. فهذه هي الحكمة التي تعيش بموجبها، حيث تقول إن "الأيام أثبتت لها صوابية. أما بالنسبة إلى التحديات، فتحرص على مواجهتها بقدر كبير من المرونة التي تتجنب الكسر دون أن تخشاه.
وبالنسبة إلى زينة، فإن ما يعطيها الشغف لكي تستمر في ما تقوم به هو أنها تتعلم باستمرار من خلال عملها، فهذه هي متعتها في الحياة، أن تتعلم وتشارك معرفتها، سواء عبر وسيلة إعلامية أو على مائدة عشاء، مع الأصدقاء.
وعن موضوع تمكين السيدة العربية من خلال عملها في مجال يُوصف بأنه ذكوري الطابع تقول زينة: "تقدّم كل سيدة عاملة أو غير عاملة نموذجاً ما للمرأة يعكس جملة القيم التي تحكم حياتها. وبالنسبة إلي، تتلخص هذه القيم في الاستقلالية والطموح والمثابرة. فإن نجحتُ في أن أكون مثلاً أعلى لفتاتين فقط هما ابنتاي في البيت ولبضع زميلات يبدأن مسيرتهن المهنية في العمل، فقد أكون قد أسهمت في تمكين السيدة العربية".
نور عماشة: أساس إلغاء التمييز الجنسي يبدأ من التربية داخل البيت
دخلت نور مجال الإعلام الاقتصادي عن طريق الصدفة، فكونها حائزةَ ماجستير في السياسات الاقتصادية وبكالوريوس في الاقتصاد، كانت تدرّس المواد الاقتصادية لسنوات في عدة جامعات مختلفة في لبنان، ولكن عند انتقالها إلى دولة الإمارات، سنحت لها الفرصة للعمل في مجال الإعلام الاقتصادي، وخاصة قسم الأخبار الاقتصادية في قناة العربية على الرغم من أنها لم تكن تمتلك أي مهارات صحفية آنذاك.
وتشرح نور: "هكذا دخلت قناة العربية حيث تعلمت أصول الكتابة الصحفية، وصياغة الخبر، وإعداد التقارير التلفزيونية وتسجيلها، وتغطية بعض الفعاليات الميدانية وإعداد التقارير على الأرض. والأهم من ذلك أنني تعلمت مهارة تحويل مادة الاقتصاد التي تُعد صعبة وجافة للكثيرين، إلى لغة بسيطة يفهمها الشارع العربي. من هنا، حاولت التعامل مع الأرقام بسلاسة لعل ذلك يجعل الخبر الاقتصادي أقرب إلى ذهن المواطن العادي عند متابعته للنشرات الإخبارية أو تصفّحه موقعاً إخبارياً إلكترونياً".
وبعد قناة العربية، انتقلت نور لخوض تجربة قصيرة في قناة الحرة ومن ثم قناة CNBC عربية حيث بدأت بتقديم البرامج الاقتصادية اليومية المباشرة، ومن ثم انتقلت إلى الشرق للأخبار التي تراها بيتها الثاني بكل ما للكلمة من معنى.
ونور تقول إنها لم تواجه أي تحدٍ في مجال الإعلام الاقتصادي- الذكوري الطابع، حيث تعزو الفضل لنشأتها بين أم وأب لم تكن فكرة التمييز الجنسي موجودة بالنسبة إليهما وبالتالي "لم ترافقنا قط هذه النظرة الدونية للمرأة"، كما تشرح نور التي تضيف: "أعتقد أن الحلّ في مجتمعنا يبدأ من داخل العائلة. فعدد كبير من النساء والفتيات يواجهن تمييزاً جنسياً في أماكن عملهن أو مجتمعاتهن. لكن، بحسب تجربتي وخبرتي، فإن السيدات اللواتي لا يفكرن أساساً في التمييز ضد المرأة ولا تعكس هذه الفكرة في تصرفاتهن وكلامهن أي خوف من أن يواجهن تمييزاً جنسياً، لن يواجهن هذا التمييز ولا أي مضايقات من هذا النوع. لا أحسم هذا النفي نهائياً، ولكن بحسب العديد من التجارب الخاصة، اتضح لي أن الأسس لعدم مواجهة هذه المضايقات تبدأ من التربية في البيت والعائلة، ولكلا الجنسين طبعاً".
وبالنسبة إلى نور، "يبدأ تمكين المرأة عندما تدرك في داخلها، وتؤمن بنحو وثيق بأنها قادرة على القيام بأي وظيفة أو عمل أو دراسة تريدها ما دامت تتمتع بالاجتهاد والعزيمة والقناعة اللازمة للقيام بذلك. أما أنا، فمن خلال ما أقدمه من أخبار وتحليلات قد يراها الكثيرون صعبة، أؤكد لفتيات كثر أنهن قادرات على عمل أي شيء في الحياة وتحقيق أحلامهن كافة".
من ناحية ثانية، تشاركنا نور التي تؤمن بمبدأ الكارما، الحكمة التي ترافقها في كل أيامها ولحظاتها، والتي ترددها كلما شعرت بضيق من أحد، وهي: Everyone does what they know best to do أي أن كل شخص يتصرف بالطريقة التي يتقنها. وتشرح: "المقصود هنا أن كل شخص يتصرّف بالطريقة الأمثل التي يدركها، وكل شخص يقول أفضل ما يعرف أن يقوله. من هنا، أسامح تلقائياً كل من يقوم بأي تصرف يضايقني، سواء عن قصد أو غير قصد، لأن إبقاء المشاعر السلبية في داخلنا لا يفيد بشيء، بل على العكس، يسلب منا الطاقة الإيجابية المطلوبة للعيش براحة بال. كما أنني أؤمن أيضاً بأن مَن يؤذي شخصاً بكامل وعيه وإدراكه، لن ترحمه الحياة ولا القدر ولو بعد حين، لذلك ليس عليّ فعل أي شيء إلا الانتظار والمشاهدة".
ونور تحب عملها وتعشق ما تقوم به، وتضيف: "عندما أقول لأصدقائي وعائلتي إني أعشق أخبار الاقتصاد والأسواق وربط التغيرات المالية والنقدية والاقتصادية والتجارية بالظروف السياسية والتطورات الجيوسياسية، يرى البعض أنني أبالغ، وإنما فعلاً هي الحقيقة. وهذا الشغف هو ما يدفعني إلى الاستيقاظ باكراً كل يوم وتحمّل ساعات عمل طويلة في كثير من الأحيان والعمل ليلاً لتقديم البرامج المسائية في أحيان أخرى".
يبدأ تمكين المرأة عندما تدرك في داخلها، وتؤمن بنحو وثيق بأنها قادرة على القيام بأي وظيفة أو عمل أو دراسة تريدها ما دامت تتمتع بالاجتهاد والعزيمة والقناعة اللازمة للقيام بذلك. أما أنا، فمن خلال ما أقدمه من أخبار وتحليلات قد يراها الكثيرون صعبة، أؤكد لفتيات كثر أنهن قادرات على عمل أي شيء في الحياة وتحقيق أحلامهن كافة.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.