لا يختلف اثنان على أن السعودية تشهد حالياً مرحلة انتقالية ستعيد كتابة التاريخ الحديث للمملكة.
قبل سنوات قليلة، كان من الصعب التخيّل السير في شوارع المملكة ومشاهدة سيدات سعوديات من دون الحجاب أو العباءة السوداء، كما كان من الصعب التوقع بأن السلطات المحلية ستذعن أخيراً للمطالب الحقوقية بمنح السيدة حق قيادة السيارة.
كان مجرد التفكير بإحياء حفل فني موسيقي من المحظورات، لكن كل ذلك تغيّر اليوم وبسرعة قياسية نرى المملكة تمضي في سياسة الانفتاح بعد الإصلاحات الأخيرة التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ولأنه شاب ويفهم مطالب الشباب في بلده، نجح بن سلمان في تحقيق نقلة نوعية في أسلوب حياة السعودية. لقد باتت العباءة خياراً، ومُنحت السيدات حق القيادة كما سُمح بإقامة الحفلات الفنية الضخمة، وآخرها كان الحفل غير المسبوق الذي أحيته النجمة العالمية ماريا كاري، وقبلها حفل الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي، فضلاً عن حفل عمرو دياب وريكي مارتن، كما يتوقع للملكة أن تشهد قريباً عملاً فنياً ضخماً للتينور العالمي أندريا بوتشيلي.. كل ذلك بعدما كانت الموسيقى تُعد من المحرّمات.
لا يسعنا إلا أن نفرح للملكة ولأهلها، فمن المهم جداً تغيير القوانين والأنظمة بما يتناسب مع متطلبات العصر، والعصر الحالي هو عصر الانفتاح الكبير، فوسائل التواصل الاجتماعي التي ألغت الحدود بين الدول وقرّبت المسافات بين الشعوب ومنحت الجميع حق الوصول إلى كل شيء، بمجرد كبسة زر.
لكن كيف يرى أهل المملكة هذه التغييرات؟ فمن يعيش في أرض الحدث، يمكن أن يقدم نظرة أكثر وضوحاً ورأيه يكون أكثر موضوعيةً.
لذلك اخترنا كلّاً من حاتم العقيل، وهو مصمم سعودي معروف، ومريم مُصلّي، وهي إعلامية سعودية وخبيرة بالعلامات الراقية ومقيمة في المملكة، وطرحنا عليهما بعض الأسئلة التي تعطينا فكرة أكثر شمولية عمّا تشهده السعودية الآن.
يرى حاتم العقيل أن السعودية تعيش اليوم أوقاتاً مُثيرة للغاية، والحفلات الموسيقية الأخيرة التي شهدتها المملكة هي بمثابة خطوة هائلة ستتبعها عدة مبادرات رائدة. يقول حاتم: "الموسيقى تجمع الناس، وهي لغة عالمية تستطيع بناء الجسور بين الناس والثقافات، ولا تقتصر هذه الخطوة على الموسيقى فحسب، بل أيضاً هي خطوة نحو الشمولية ونقطة انطلاق لمبادرات عظيمة أخرى مثل التعليم والفنون ومزيد من التفهم لأهمية تراثنا ومدى ثرائه". أما مريم فترى أن هذا التوجه نحو صناعة ترفيه عالمية تُعد إشارة قوية بأن السعودية جاهزة لاستقبال السياح والأجانب، وتضيف: "لطالما كان للسعودية خصوصية، فهي عبارة عن أمة محافظة مع قيود على غير السعوديين، لكنني أرى هذه الحفلات كلافتة مُتقدمة نحو تحوّل السعودية إلى بلد أكثر ترحيباً بالجميع من كل الجنسيات".
لكن هل يكفي فقط إقامة حفلات فنية لتعويد المجتمع السعودي على ثقافة الانفتاح؟ وعندما نتحدث عن الانفتاح الثقافي، ما الذي يجب أن تشمله هذه العبارة أيضاً؟
رداً على هذا السؤال تقول مريم: "مع مجتمع كبير 70% منه من الشباب تحت سن الـ30 كان منطقياً أن نرى الترفيه يتصدر أجندة النظام لرؤية 2030"، وتضيف: "أؤمن بأن الهدف الأسمى من هذه الإصلاحات يجب أن يتمحور حول تعزيز ثقافة "التسامح" لا الانفتاح فقط، وبرأيي أن البلد ماض قُدماً في هذا المجال مع التغيير الملحوظ في العقلية السعودية".
أما حاتم العقيل، فيأخذنا إلى مجال آخر عندما قرر الحديث عن المهرجانات الثقافية. يقول حاتم: "أعتقد أنه يجب تثقيف الناس والعالم بمدى جمال المناطق الأثرية في السعودية من العلا إلى عسير، فالمملكة ظلت مُغلقة أمام علماء الآثار لعدة سنوات، لنتخيل أننا أحضرنا كل هؤلاء الخبراء واكتشفنا ما لدينا، حينها ستصبح السماء هي حدودنا، وسيعرف العالم أجمع عن الفنانين والمُصممين والشعراء والباحثين الذين لدينا".
يتحدث حاتم أيضاً عن أهمية تعديل مناهج التعليم، فهي التي تؤثر مباشرة في الجيل الجديد، ويقول: "لا ينبغي أن يكون هناك المزيد من القيود على التعليم أو فرض القيود على الفنون.. فهناك الكثير من الإمكانيات الهائلة لدى السعودية والكثير من الكنوز المدفونة التي لا يعلم عنها أحد، لذلك نريد إخراجها وتسليط الضوء عليها".
وأخيراً، ما هي نظرة السعوديين للمستقبل بعد كل هذه التغييرات غير المسبوقة؟
بحسب مريم، فإن وتيرة التغيير ستتضاعف انسجاماً مع روحية جيل الألفية، وتضيف: "أرى بالفعل الأمور تتغير بسرعة الضوء وأنا مصدومة إيجاباً، وأجد أن السعودية لا تحاول فقط اللحاق بالآخرين، لكنها تتفوق عليهم لتصبح رائدة في المجال المالي والثقافي".
أما حاتم فيرى مستقبلاً مشرقاً للغاية، فالجيل الشاب مفعم بالحيوية ويعمل بجد ولديه أفكار متقدمة كما أنه فخور جداً بثقافته في الوقت نفسه، ويشرح: "هذه إحدى نقاط القوة في بلدنا، نحن نتحرك للأمام من خلال الاحتفاء بثقافتنا، فبعد كل هذا إذا لم نتعرّف إلى جذورنا فلن يُصبح لدينا هوية وهذا سيظل دائماً قوتنا كأمة".
كلمات مفتاحيّة:
ماجدة الرومي،
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.