تاريخ لبنان وأبرز مدنه الأثرية: صمود في وجه كل المحن وإرث لا يُمحى | Gheir

تاريخ لبنان وأبرز مدنه الأثرية: صمود في وجه كل المحن وإرث لا يُمحى

سياحة  Oct 02, 2024     
×

تاريخ لبنان وأبرز مدنه الأثرية: صمود في وجه كل المحن وإرث لا يُمحى

في زمن الحرب نصلّي للسلم. وفي زمن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، نرفع الصوت منادين بالوحدة الوطنية في مواجهة عدو واحد، يتربّص شراً بكل اللبنانيين.

وهذه ليست الحرب الإسرائيلية الأولى على لبنان، لقد سبق لهذا البلد الصغير أن عانى الكثير بسبب الجار السيء الصيت، فشهد سلسلة من الهجمات الإسرائيلية منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948. أولى هذه الهجمات كانت في عام 1949 خلال النزاع العربي الإسرائيلي. تصاعدت التوترات بين البلدين في السبعينيات بعد تواجد الفصائل الفلسطينية المسلحة في جنوب لبنان، مما أدى إلى تدخّل إسرائيلي واسع النطاق في عام 1978 وعملية "الليطاني". في عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلت العاصمة بيروت، في محاولة للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. استمر الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان حتى عام 2000، إذ انسحبت القوات الإسرائيلية تحت ضغط المقاومة اللبنانية، وخاصة حزب الله. تصاعدت النزاعات مجددًا في عام 2006 خلال حرب تموز، التي تسببت في دمار كبير في البنية التحتيّة اللبنانية وسقوط مئات الضحايا.

واليوم، يكرر التاريخ نفسه، وتعاود دولة الاحتلال عدوانها ضد لبنان وشعبه وأرضه. ولهذا، نسلّط الضوء على عدد من أجمل المدن اللبنانية، التي جعلت لبنان وجهة سياحيّة بامتياز على مرّ الزمن، وغالبيتها مدن تاريخيّة تتعرض اليوم لتدمير ممنهج وجرائم موصوفة.

لمحة عن تاريخ لبنان

يتمتّع لبنان بتاريخ غني يمتد لآلاف السنين، إذ كان موطناً للكنعانيين (الفينيقيين) الذين أسّسوا حضارة بحريّة وتجاريّة عظيمة. تعاقبت عليه الإمبراطوريات، بدءًا من الفرس والإغريق وصولاً إلى الرومان والعرب. خلال العهد العثماني، كان لبنان جزءًا من الدولة العثمانية حتى انهيارها بعد الحرب العالمية الأولى، حيث وُضع تحت الانتداب الفرنسي. نال استقلاله عام 1943، وتطور كدولة ذات تنوّع طائفي وثقافي. عانى لبنان من حرب أهلية دامية بين 1975 و1990، بالإضافة إلى توتّرات مع إسرائيل، ولكنه استمرّ في محاولة بناء نظام سياسي مستقر رغم التحديات الإقليمية والمحلية.

العاصمة بيروت، درّة الشرق

بيروت، عاصمة لبنان، تمتد جذورها إلى أكثر من 5000 عام، مما يجعلها واحدة من أقدم المدن في العالم. عُرفت في العصور الفينيقية كميناء تجاري هام، وكانت مركزاً للتجارة والملاحة في البحر المتوسط. تأثرت بالعديد من الحضارات مثل الفينيقيين، الرومان، البيزنطيين، العرب، العثمانيين، والفرنسيين، مما أكسبها تنوعاً ثقافياً وحضارياً.

في العهد الروماني، أصبحت بيروت مركزاً قانونياً هاماً بوجود مدرسة الحقوق الشهيرة. خلال الحكم الإسلامي، ازدهرت المدينة كجزء من الدولة الأمويّة والعباسيّة. أما في العصر العثماني، فقد كانت مركزاً إدارياً وتجارياً هاماً في المنطقة.

في القرن العشرين، نالت بيروت شهرة واسعة كمركز ثقافي وفكري، خاصة خلال الفترة الفرنسية التي أسهمت في تحديث المدينة. بعد الاستقلال في عام 1943، شهدت بيروت نمواً اقتصادياً وثقافياً، لكنها تأثرت بالحرب الأهليّة اللبنانيّة التي استمرت من 1975 إلى 1990. اليوم، ورغم الصعوبات، تبقى بيروت رمزاً للصمود والحيوية.

بعلبك

هي مدينة لبنانيّة تقع في وسط سهل البقاع المشهور، ويحدّها من الشرق نهر الليطاني، ومن الغرب سلسلتا جبال لبنان الشرقية والغربية، وترتفع عن سطح البحر مسافة 1.163م، وهي مركز المحافظة، وعرفت منذ قديم الزمان بموقعها الاستراتيجي الواقع على الخطوط البرّية، كما أنّها تحتوي على العديد من المباني والمعابد الضخمة التي شيدّها الرومان؛ مما جعلها مدينة جذب سياحي للعديد من الأجانب.

تعتبر بعلبك من أكثر المدن استقطاباً للسياح في لبنان؛ فهي مدينة عريقة وتاريخيّة، بالإضافة لتضاريسها المميّزة، والمتمثّلة بالمناظر الطبيعيّة الخلابة، ومناخها الهادىء المتأثر بقربها من حوض البحر المتوسّط، ناهيك عن الحضارات العديدة التي توالت عليها، والتي تركت فيها أجمل الآثار والمعالم السياحيّة الإسلاميّة، المسيحيّة، والرومانيّة، كالمنازل العثمانية الفاخرة، والمعابد الرومانية، والتي من أبرزها، معبد جوبيتير، وفينوس وميركوري، والمباني. تتمثّل أهميّة بعلبك السياحيّة الدينيّة باحتوائها على مقام السيدة خولة، وهو من أهم المقامات، ويشكل جزءاً أساسياً لهذه السياحة، إذ يتوافد عليه الملايين من الحجاج من جميع دول العالم كل عام؛ للتضرع والصلاة فيه، بالإضافة لمسجد كبير تم بناؤه في فترة الحكم الأموي، والذي لا تزال آثاره قائمة حتّى الآن، وجامع أم عيّاد، وحسب ما يقول الناس بأنّ هذا الجامع تم بناؤه على أنقاض كنيسة مار يوحنا التي بنيت على يد البيزنطيين في الفترة التي سكنوا فيها المدينة، ولن ننسى قبتا أمجد ودوريس، ومحطة القطار، والتي تمّ بناؤها في الثلاثينات على يد الفرنسيين، أثناء فترة احتلالهم للبنان. تحتوي بعلبك على العديد من الفنادق الحديثة، والتي تم بناؤها بالقرب من السهول والربوع الخضراء؛ حتّى تشجع الزوّار على البقاء لمدّة أطول، وتتيح لهم فرص الاستجمام، والبعد عن الضجيج والإزعاج، كما ويتم قيام المهرجانات والاحتفالات السنويّة في المدرجات الرومانيّة القديمة، احتفالاً بأعياد المسلمين، والمسيحيين.

جبيل أو بيبلوس

إنّ كلمة جبيل كنعانية فنيقيّة، كما كان المصريون القدماء يلفظونها كما هي الآن مع تحريف قليل في حرف الجيم، ولكنها ذكرت في رسائل تل العمارنة باسم كِبني أو كِبن، وفي النصوص التي تعود للبابلين ذكرت باسم جُبلا، أمّا الأشوريون فذكروها بجُبلي، كما سمّاها اليبوسيون ببيبلوس، وفي كتاب التوراة ذكرت باسم جَبل، ولكن الصليبيون عادوا وكتبوها جِبلات، وكلمة جبيل الموجودة حاليًا تعود إلى مقطعين، الأول هو جِب والتي تعني البيت، والثاني هو إيل والذي يعني كبير الآلهة، وبالتالي فتعني بيت الله، والبعض الآخر يرى أنّ اسمها مأخوذ من موقعها على تلة، والتي هي تصغير للجبل. يوجد فيها الكثير من المعالم والمواقع التي جعلت منها مكاناً سياحيّاً مهمّاً، تحديداً المتاحف والتي تتضمن ما يلي:

متحف موقع جبيل: يوجد فيه وثائق تعرض جميع الحفريات التي مرّت بها المدينة، كما يقدم شروحات لجميع الأحداث التاريخيّة التي مرّت بها المدينة، تحديداً للفترات السابقة العصور الوسطى، مسلطاً خلالها الضوء على حياة السكّان القدامى للمدينة.

متحف ذاكرة الزمن: يقع في الساحة الخاصة بقلعة جبيل، وفيه مجموعة كبيرة من المتحجّرات اللبنانية التي تعود إلى أكثر من مليون سنة سابقة.

متحف ومؤسسة لويس قرداحي: تهتم بنشر كلّ ما يخص الأحداث التاريخية للمدينة، وهو شكل بيت تراثيّ ثقافيّ، يقع في الجهة الجنوبية من كتدرائية يوحنا مرقس.

متحف المتحجّرات: يقع في السوق الأثري للمدينة، وفيه مجموعة مختلفة من المتحجّرات، تحديداً الأسماك التي اكتشفت في جبيل وبعض المناطق اللبنانيّة الأخرى.

صيدا أو صيدون

صيدا هي مدينة عربية لبنانية قديمة تتبع إدارياً إلى محافظة الجنوب، تقع جغرافياً في الجهة الشمالية من مدينة صور تحديداً في الجهة الجنوبية من لبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتضم على أرضها العديد من المباني المهمة كالدوائر الرسمية، المصارف، المؤسسات الصناعية والتعليمية الرئيسية.

من المعالم السياحية في مدينة صيدا، متحف الصابون الذي يقدم عروضاً عن كيفية صناعة الصابون التقليدية في مناطق الشرق الأوسط. قلعة صيدا التي شيدت فوق معبد فينيقيّ على جزيرة واقعة بالقرب من شاطئ صيدا على يد الصّليبيين. قصر دبانة المشيد في العصر العثماني، ويعتبر من أقدم القصور العثمانية في المدينة. سوق صيدا القديم الذي يبيع جميع المنتجات الشرقية والمحليّة بأسعار قليلة.

صور

يعود مجد صور خاصة إلى قوتها البحرية، وتعتبر الجزيرة القديمة لصور كالأقوى والأشهر من المدن الفينيقية، وبحارتها الأكثر رهبة في العالم القديم. كانت تحوي على مرفأين، الأول "الميناء الصيداوي" إلى الشمال الذي يتواصل استخدامه في عصرنا الحاضر، والثاني أو "الميناء المصري" إلى الجنوب، المهجور منذ العهد البيزنطي.

يتواجد في المدينة العديد من المعابد، فكُرًسَ المعبد الرئيسي إلى الاله ملكارت، الذي تم بناؤه، على ما جاء عليه عبر التاريخ، من قبل الملك حيرام الأول في القرن العاشر قبل الميلاد على أنقاض معبد قديم. على مدخله تواجد مسلتين أو بالأحرى عامودين، الأول ذهبي والثاني من الزمرد. مركزه لا يزال غامضا حتى اليوم، فلم يتمكن علماء الأثار من العثور على هذا المعبد الشهير، ولكن من المرجح أن يكون موجوداً تحت الكاتدرائية الصليبية إذ كشفت حفريات موريس شهاب بقايا مباني التي تفترض فينيقية. من المعابد الأخرى المتواجدة في المدينة هنالك معبد للآلهة عشتروت، وآخر للإله بعل.

البترون

تعتبر البترون واحدة من أقدم المدن التاريخية والسياحية في العالم والتي يعود سكانها الى حوالي خمسة آلاف سنة الى الوراء، فهي مدينة ساحليّة وتقع في شمال لبنان وتبعد حوالي 50 كيلومتر عن العاصمة بيروت، كما تبعد حوالي 30 كيلومتر عن غرب مدينة طرابلس.

قام الفينيقيون بتأسيس مدينة البترون على الجهة الجنوبية للشاطئ الصخري والذي عُرف قديماً بإسم رأس ليثوبروسوبون، حيث أن مؤسس هذه المدينة يدعى إيطوبعل الأول وهو أيضاً ملك مدينة صور. كما حُكمت مدينة “البترون” من قبل الرومانيين وعرفت بمقاطعة فينيسيا بريما عام 64 قبل الميلاد، ومعظم سكان مدينة البترون اليوم هم من الطائفة المسيحية المارونية والملكية والأرثوذكسية اليونانية وفيها عدد من المسلمين.

وفي عام 551م شهدت مدينة البترون زلزالاً مدمّراً تسبب في إنزلاق التربة وجعل رأس ليثوبروسوبون يتصدّع مما أدى الى تشكّل أكبر ميناء طبيعي في البترون.. بعد ذلك غزا المسلمون المدينة وقاموا بتعريب إسمها من بيترونيون الى البترون كما هو إسمها اليوم، ولاحقاً شيدت فوق صخرة معزولة هائلة تحيط بها الجبال، واحدة من أهم المواقع الأثرية والتي سميت بـ القلعة الصليبية الموجودة حالياً في منطقة المسيلحة بالبترون.

كذلك يوجد سور بحري كبير طبيعي تكوّن جراء الكثبان الرملية المتحجرة على الشاطئ، وقام الفينيقيون في القرن الأول قبل الميلاد بتدعيمه وتقويته وذلك عن طريق استعمال الصخور حتى أصبحت بالشكل الذي هو عليه، ويمتد السور البحري على طول 225 متراً وهو بسماكة متر الى متر ونصف تقريباً، وعلى الرغم من أن اقساماً منه تهدمت إلا أنه معظمه مازال صامداً في حوض البترون.

عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.

السياحة