لا شك أن ليوناردو دا فيشني هو أحد العبقريات الغامضة على مر التاريخ؛ فعبقريته المتجلّية في مختلف المجالات، من الرسم بأنواعه إلى النحت والعمارة والرياضيات والحفريات ورسم الخرائط وحتى الهندسة، بقيت آثارها حتى يومنا هذا، وبعد وفاته بخمسمئة عام كاملة، ما زالت شاهدة على عبقرية هذا الفنان غير المسبوقة.
واحتفاء بتلك العبقرية الأزلية، قرّرت عدة دول أوروبية الاحتفال بالذكرى الخمسمئة لوفاته، ومن بينها بطبيعة الحال، باريس، حيث طالب متحف اللوفر أن تُنقل لوحة "
الرجل الفيتروفي" إلى أروقته من مقره الأصلي في البندقية، ليقدّم من بين 140 عملاً فنياً لدا فينشي كان من المقرر عرضها في معرض خاص احتفاء بأعماله وسيرته العظيمة.
ولكن كادت تلك الخطط أن تفشل، وكاد محبّو الفنون من حول العالم الذين انتظروا هذه الرحلة من البندقية إلى باريس لكي يستمتعوا بمشاهدة العمل الأصلي على الطبيعة، أن يُحرَموا من هذه التجربة.
فقد رفعت هيئة إيطالية تراثية، إيتاليا نوسترا، دعوى قضائية تمنع انتقال هذه اللوحة البالغة من العمر 530 عاماً، بحجّة أنها قد تتعرّض لضرر لا يمكن إصلاحه، وتفقد الإنسانية واحداً من أهم أعمال دا فينشي الشاهدة على عبقريته.
وأقيمت هذه الدعوى بالرغم من اتخاذ متحف اللوفر كافة الإجراءات اللازمة لنقل مثل هذه اللوحة الحساسة، من سيارة نقل مجهّزة بنظام تحكّم بيئي كامل، في صندوق زجاجي محكم، مع توفير الإضاءة المناسبة التي لا تتعرّض اللوحة للخطر، خاصة مع الاحتفاظ بها في قاعة عرض منخفضة الإضاءة، وتستخدم وحدات إضاءة خاصة، لا تتسبب بفقدانها خطوطها وألوانها.
ولكن لحسن حظ مقدّري فنون وعبقرية دا فينشي الذين خططوا لزيارة باريس واللوفر أثناء إقامة معرضه الخاص، حكمت محكمة إيطالية أيضاً برفض الدعوى، والسماح بنقل اللوحة من البندقية إلى باريس.
اللوحة مستوحاة في الأصل من كتابات "فيتروفيوس" المعماري الروماني العظيم، الذي يُعتقد أنه كان في الفترة الممتدة من 75 إلى 15 قبل الميلاد. وتوضح اللوحة الشكل الكامل والمثالي للجسم البشري، بحسب المقاييس التي وضعها فيتروفيوس في كتابه "عن العمارة" في ذلك الوقت. هذه المقاييس التي رآها فيتروفيوس المؤثر الرئيس والأساسي في تصميم وتشكيل التصاميم المعمارية المختلفة.
وقد استوحى ليوناردو دا فينشي من هذه الكتابات شكل ومقاييس الجسم البشري، والتي في حالتها المثالية يمكن أن تتواءم مع شكل الدائرة وشكل المربع بمثالية تامة، وهو ما يُعتقد أنه يرمز إلى مثالية تكامل البشر مع الكون، باعتبار الإنسان هو المعيار والمقياس لكل ما حوله في الكون.
وتوضح اللوحة تفسيراً لتصور فيتروفيوس لمقاييس الجسم البشري الصحيحة أو المثالية، وتناسب أعضائه؛ حيث تتناسب أطوال ونسب أجزاء الجسم المختلفة لتتسق معاً في سيمترية دقيقة، ما يجعل الإنسان مكتملاً ما بين الاستدارة والتربيع.
ربما كان لإدراك دا فينشي لهذه النسب المثالية لشكل وتشريح الجسم البشري، يد في قدرته على ابتكار اختراعات تناسب العديد من الاستخدامات حتى يومنا هذا، مطوّعاً لأجلها علوم الرياضيات والهندسة، لكي تخدم الإنسان معززة من قدراته وإمكانيات جسمه الواقعية.
ومن المعلوم أن ملكة بريطانيا تمتلك 550 عملاً فنيا لدا فينشي، يُعرض منها 200 عمل في الغاليري الخاص بها في لندن هذا العام احتفالاً بالذكرى 500 لوفاة دا فينشي. أما بقية أعماله فمملوكة لمكتبة ميلانو التاريخية "
الأمبروزيانا".
عبقرية دا فينشي تتبدّى في أعماله، والاحتفال بهذه العبقرية سينقل لأجيال وأجيال موهبة فنية وذهنية خالصة، ستلهمهم الكثير من الابتكار والفن مثلما ألهمت أجيالاً كثيرة على مدار العصور.
آيات محمود، مواليد 1980، وحاصلة على ليسانس الآداب في علم النفس من جامعة عين شمس - أعمل محررة مجتوى التصميم والتكنولوجيا في موقع Gheir الالكتروني؛ ولدي خبرة في تقديم محتوى متعلق بأحدث صيحات وفعاليات فنون التصميم والديكور، وأحدث صيحات الأثاث وألوان الديكورات والأكسسوارات، ومتابعة الفعاليات الفنية المحلية والعالمية المهتمة بمجالات التصميم والديكور، بالإضافة لمتابعة أحدث ما يقدمه عالم تكنولوجيا الانترنت والاتصالات، وأحدث إبداعات عالم السيارات والمركبات.