كرّم المبدع اللبناني إيلي صعب مدينته بيروت هذا الموسم بمجموعة متوهجة من فساتين السهرة مستوحاة من النساء اللواتي رآهن يكبرن في الستينيات في المدينة التي كانت مزدهرة ومتألقة في ذلك الحين، قبل 15 عاماً من الحرب الأهلية التي دمرت الكثير من المدينة. وقد أعرب المصمّم عن حبّه للمدينة وذكرياته فيها قائلاً: "أجدُني اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، مؤمناً بمدينتي بيروت، رافضاً ما آلت إليه أحوالها في السنوات الأخيرة، منتفضاً على دخولها نفق الظلمات والخوف من جديد، متمسكاً بصورتها وتألّقها أيام العزّ: بيروت المِعطاء، السخيّة، الحاضنة، المتعدّدة، المنفتحة على كلّ الحضارات، عاشقة الحياة الأنيقة والمترفة. وأراني مصرّاً على دور هذه المدينة السبّاق الذي كان لها في الستينيات، وبعدها في التسعينيات، متناسياً كلّ الآلام والأحزان التي مرّت بها، ومتمسّكاً بمشاركتي في تألّق أنوارها المشعّة على العالم أجمع".
التفاصيل الخضراء والأعشاب زيّنت مدرج عرض الأزياء، استنبطها المصمّم من إحدى ذكرياته المبكرة: والدته في
فستان أسود حريري مع نقوش التوليب. وعن ذلك يقول المصمم: من تلك الحقبة، أحتفظ في ذاكرتي بطيف أمي بفستان حريري أسود مطبّع بالخزامى، أنيق محدّد عند الخصر، مع
تنّورة واسعة. مجموعتي هذه مستوحاة من خزامى الذاكرة، غنيّة بألوان أشجار الزيتون والسنديان التي زيّنت حدائق طفولتي. فيها بشائر الربيع المتفتّح في أزرق الأفق البارد، ورائحة التراب النديّ، والعشب الأخضر اللين الطري، والحقول المتشكّلة بالأصفر حيناً، والأبيض أحياناً. ويهبّ نسيم عليل في الموسلين والأورغنزا والكريب جورجيت الغنيّة بالتطريزات وتطبيعات الخزامى. قصّات مستوحاة من أناقة السبعينيات بخصور عالية وأقمشة متدفّقة.
تضمّنت مجموعة صعب لربيع 2015 التي قدّمها ضمن فعاليات
أسبوع الموضة في باريس قبل يوم من إغلاق أبوابه، الكثير من التفاصيل التزيينية، بما فيها من تأثير لورود ضخمة وجذوع أشجار على
أقمشة شفافة بتدرّجات لونية ناعمة تراوحت بين الزهري والبيج والأخضر والعاجي. استُخدم ريش النعام لتأثير مذهل على فستان حيادي رُصّع بالترتر على شكل أزهار مطرّزة مع كاب من الخلف. في تصاميم أكثر دقة ونعومة، رأينا ريشاً فردياً من النعام يتناثر مع ورود التوليب من الشيفون الثلاثي الأبعاد على فستان من الغيبور الزهري ذي تنورة ضخمة وكمّين طويلين.
هذا وقد أهدى المصمم هذه المجموعة بالكامل لبيروت، معرباً عن امتنانه الكبير لها مردفاً: "أعود الى بيروت، ملهِمتي، بمزيج من الأمل والحبّ والامتنان لمدينتي الأم، الحلم الذي يتوارى حيناً خلف ضباب الخوف، ثم يعود بزخم أكبر ليفرض حضوره القويّ الآسر، محتفلاً بالجمال والحبّ والحياة. من أجل هذه المدينة المتعدّدة الأهواء والألوان، ومن أجل كلّ لبناني لم تنل منه الظلمة، كانت هذه المجموعة".
وفي ختام العرض، رأينا سلسلة من التصاميم اتشحت بالسواد بالكامل، وزُيّنت بمعظمها بورود التوليب المطرّزة، ذكرتنا بصورة باللونين الأسود والأبيض رأيناها في كتاب مصدر الوحي، لوالديه وهما ينظران الى مسافة بعيدة، حيث ارتدت والدته الفستان المحفز على هذه المجموعة المفعمة بالحنين والحلم اللذين قال عنهما صعب: "حلمي ألا تفقد بيروت يوماً هالتها الساطعة، ولا قدرتها على الإبهار والجاذبية، ولا إحساسها بالجمال وعشقها للاحتفال. فتبقى بيروت المدينة الذاكرة الجميلة التي سكنت أحلامي منذ الطفولة. لكلّ من آمن بمدينتي وأسهم في بنائها وعمرانها، وشارك في صنع أسلوب حياتها الحلو المميّز، كانت هذه المجموعة التحيّة لبيروت، الساكنة وجداني ومخيّلتي... آملاً ان تعيد مجموعتي هذه بعضاً من ألق المدينة التي نحبّ".